إن نهاية الحرب في غزة يمكن أن تكون حافزاً لسلام شامل مع العالم العربي على أساس «حل الدولتين». ذلك أن فرصة تحقيق سلام حقيقي وواسع حقيقية، وينبغي ألا يحجبها ضبابُ الحرب، كما أن النقاش حول المستقبل يجب ألا يقتصر على مستقبل غزة. والواقع أن العالم العربي مستعد لصنع السلام منذ أن اقترح مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002. وهذا الالتزام ما يزال حياً إلى اليوم. ولهذا، ينبغي على إسرائيل أن تغتنم هذه الفرصة، تمهيداً لحقبة جديدة في الشرق الأوسط. فرغم القصف العنيف والخسائر الفادحة في أرواح المدنيين الأبرياء في غزة، فإن الصراع يظل إلى حد كبير مواجهة إسرائيلية فلسطينية -- وبشكل أكثر تحديداً ما زال يُنظر إليه من قبل الكثيرين في العالم العربي على أنه صراع مع حركة «حماس». وهذا أمر مهم، خاصة بالنظر إلى الوضع في الضفة الغربية.
الدول العربية راهنت وما زالت تراهن على تسوية سلمية، ومؤخراً اجتمعت 57 دولة عربية وإسلامية في المملكة العربية السعودية، ودعت إلى حل سلمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس «حل الدولتين»، مؤكدة التزامها بمبادرة السلام العربية.
وإزاء ما يحدث في غزة، ردّ العالم العربي بالتنديد، ولكن أيضاً من خلال الدبلوماسية فقط. ومؤخراً، أوضح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الخطوط العريضة للحل السلمي للصراع في مقال بصحيفة «واشنطن بوست».
وفضلاً عن ذلك، فإن الأردن ومصر، وكلاهما لديه حدود مع إسرائيل، ملتزمان بسلام دائم معها، ويقاومان الغضب الداخلي. أما سوريا، فلا تبدي أي استعداد للانضمام إلى القتال، ولم تؤيد «حماس»، التي كانت على الجانب الآخر طوال سنوات الحرب الأهلية السورية. وفي لبنان، يعارض المسؤولون الحكوميون التصعيد، وكذلك يفعل العديد من اللبنانيين.
وفي غضون ذلك، يتواصل صراع منخفض الحدة مع «حزب الله»، وقد يتصاعد من دون دبلوماسية أميركية نشطة. غير أنه من الممكن تجنب حرب أوسع. فقبل 7 أكتوبر، كانت إسرائيل و«حزب الله» قد اتفقا على قواعد اشتباك ضمنية أبقت على هدوء نسبي على حدود إسرائيل مع لبنان، وشهدت تلك الفترة تسهيل «حزب الله» لاتفاق بحري مع إسرائيل. وتشير تصريحات الأمين العام للحزب إلى أنه وإيران غير مستعدين للذهاب حتى النهاية في دعم «حماس». والواقع أن «حزب الله» يطرح أخطارا حقيقية بالنسبة لإسرائيل، لكنه لا يشكّل تهديداً وجودياً لها. ووصف تهديد ما بأنه غير وجودي لا يعني التقليل من شأنه. ثم إن الإسرائيليين يعرفون أن بعض الوكلاء الإقليميين يشكّلون تهديداً مماثلاً للدول العربية أو ربما تهديداً أكبر، سواء أكان الوكلاء في لبنان أم اليمن أم العراق أم قطاع غزة. وهذا الفهم المشترك للصورة الاستراتيجية الإقليمية يدعم الاتفاقات الإبراهيمية. بيد أنه ينبغي على الإسرائيليين أن يدركوا أن أفضل علاج لهذه التهديدات هو «حل الدولتين» مع الفلسطينيين.
قبل السابع من أكتوبر، كانت قلّة قليلة من الإسرائيليين فقط تعتقد أن الوضع الراهن يمثّل تهديداً وجودياً. بل إن عدداً أقل من الإسرائيليين كانوا يعتقدون أن الانتهاكات المتكررة في المسجد الأقصى وتحرشات المستوطنين واستفزازاتهم في الضفة الغربية يمكن أن تؤدي إلى رد فعل من النوع الذي رأيناه. وكان لدى إسرائيل اعتقاد خاطئ بأن من شأن الحوافز الاقتصادية والاسترضاء أن تصرف «حماس» عن الدخول في مواجهة عسكرية كبيرة. وكانت إسرائيل تعتقد أن سلاماً اقتصادياً مع العالم العربي، مع إبقائها على الاحتلال، يمكن أن يكون بديلاً لسلام شامل ودائم مع الفلسطينيين. وكان يُعتقد أن الوضع القائم قابل للاستمرار، وأن أي جهد جاد لمعالجة الصراع الذي لم يُحل بعد غير ضروري.
الأحداث المأساوية التي وقعت في السابع من أكتوبر، وما تلاها في غزة، كانت نتيجة فشل الدبلوماسية، والتواطؤ الغربي، والتفكير الرغائبي الإسرائيلي بأن الوقت كفيل بالقضاء على ما تبقى من هوية الفلسطينيين وتطلعهم إلى إقامة دولة مستقلة. ولئن كان العدد الكبير من القتلى في السابع من أكتوبر قد أقنع الإسرائيليين بأنهم في وضع هش عسكرياً، فإن هشاشتهم الحقيقية لن تختفي من دون التوصل إلى تسوية عادلة ومنصفة.
في مقال له بصحيفة «واشنطن بوست»، أكد الرئيس الأميركي جو بايدن أن «حل الدولتين هو الطريق الوحيد لضمان أمن كل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني على المدى الطويل». لكن كان بإمكانه أن يضيف «والمنطقة برمتها». وخلاصة القول هي أن يد العالم العربي ممدودة إلى إسرائيل. ويجدر بقيادة إسرائيلية تتحلى بالحصافة والتبصر أن تردّ عليها بالمثل، وأن تبدأ العمل مع شركائها على صياغة سلام دائم وحقيقي.
فؤاد السنيورة
رئيس وزراء لبنان من 2005 إلى 2009
وباسم الشاب
نائب في البرلمان اللبناني من 2005 إلى 2018